كيف نفذ قراصنة كوريا الشمالية أكبر عملية سرقة إلكترونية في التاريخ؟
في عصر التحول الرقمي، لم تعد الجرائم المالية مقتصرة على السرقات التقليدية، بل أصبحت الهجمات السيبرانية من أخطر الأسلحة التي تهدد الأنظمة المصرفية والمالية حول العالم. واحدة من أكثر هذه الهجمات جرأة ونفوذًا كانت اختراق بنك بنغلاديش المركزي عام 2016، حيث تمكن قراصنة مرتبطون بكوريا الشمالية، والمعروفون باسم مجموعة لازاروس (Lazarus Group)، من سرقة 81 مليون دولار باستخدام نظام SWIFT للتحويلات المالية.
هذا المقال يكشف تفاصيل العملية، وأبرز التكتيكات التي استخدمها القراصنة، وتداعيات هذه الجريمة الإلكترونية على الأمن المالي العالمي، بالإضافة إلى استراتيجيات الحماية التي يمكن أن تمنع مثل هذه الهجمات مستقبلاً.
من هي مجموعة لازاروس؟
تُعتبر مجموعة لازاروس واحدة من أخطر فرق القرصنة في العالم، وهي مرتبطة بالحكومة الكورية الشمالية، حيث يُعتقد أنها تعمل تحت إشراف مكتب الاستطلاع العام، وهو الجهاز الرئيسي للاستخبارات في كوريا الشمالية.
أبرز العمليات التي نفذتها المجموعة:
✔ هجوم Sony Pictures (2014): اختراق ضخم أدى إلى تسريب بيانات حساسة، بعد إنتاج فيلم ساخر عن الزعيم الكوري الشمالي.
✔ هجمات على البنوك العالمية: استهدفت العديد من المؤسسات المالية، مثل بنوك في الهند، تايوان، والمكسيك.
✔ سرقات العملات الرقمية: استولت المجموعة على مليارات الدولارات من منصات تداول العملات المشفرة، مما ساهم في تمويل برامج بيونغ يانغ العسكرية.
تفاصيل أكبر عملية سرقة إلكترونية في التاريخ
1. الاختراق الأولي والتخطيط الذكي
نجح القراصنة في اختراق أنظمة بنك بنغلاديش المركزي عبر هجوم إلكتروني متطور استخدم برمجيات خبيثة (Malware). تمكنوا من التسلل إلى الشبكة الداخلية للبنك والبقاء داخل النظام دون أن يتم اكتشافهم لمدة أشهر، حيث راقبوا عن كثب كيفية تنفيذ التحويلات المالية باستخدام نظام SWIFT.
2. استغلال نظام SWIFT لتنفيذ الهجوم
في فبراير 2016، بدأ القراصنة خطتهم الكبرى، حيث استخدموا بيانات الاعتماد المخترقة لإرسال أوامر تحويل مزيفة عبر نظام SWIFT، محاولين سرقة مليار دولار أمريكي وتحويلها إلى حسابات مختلفة في الفلبين وسريلانكا.
ومع ذلك، فإن خطأً مطبعيًا في إحدى العمليات أدى إلى كشف بعض التحويلات المشبوهة، مما أدى إلى إيقاف معظمها، لكن القراصنة نجحوا في سرقة 81 مليون دولار وتحويلها إلى حسابات في بنك الفلبين (RCBC).
3. غسل الأموال عبر الكازينوهات
تم استخدام تقنية غسل الأموال لتحويل المبالغ المسروقة إلى حسابات في الفلبين، ومن ثم تم تبييضها من خلال الكازينوهات في مانيلا. استغل القراصنة ثغرات قانونية في قوانين مكافحة غسيل الأموال في الفلبين آنذاك، حيث لم تكن المعاملات المالية في الكازينوهات تخضع للرقابة المشددة.
كيف تم اكتشاف الجريمة؟
تم الكشف عن الهجوم عندما لاحظ بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك طلبات تحويل ضخمة من حساب بنك بنغلاديش المركزي. عند التحقق، تبين أن الأوامر كانت احتيالية، مما دفع السلطات المالية إلى تتبع مسار الأموال.
بدأت تحقيقات مكثفة، شارك فيها كل من:
✔ FBI (مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي)
✔ سلطات مكافحة الجرائم الإلكترونية في بنغلاديش
✔ السلطات الفلبينية
على الرغم من نجاح التحقيقات في استعادة جزء من الأموال المسروقة، إلا أن معظم المبلغ ظل مفقودًا، وسط اتهامات لكوريا الشمالية بتنفيذ هذه الجريمة لتمويل برامجها النووية والصاروخية.
التداعيات العالمية للهجوم السيبراني
1. تعزيز إجراءات الأمن في البنوك العالمية
دفعت هذه الحادثة المؤسسات المالية إلى إعادة تقييم سياسات الأمن السيبراني وتعزيز إجراءات الحماية في نظام SWIFT، مما أدى إلى تطبيق بروتوكولات أمان أكثر صرامة.
2. فرض عقوبات دولية على كوريا الشمالية
أدت هذه الجريمة إلى فرض عقوبات إضافية على كوريا الشمالية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة، حيث تم تصنيف الهجمات الإلكترونية كجزء من استراتيجية بيونغ يانغ لتمويل برامجها العسكرية.
3. ارتفاع تهديد الجرائم السيبرانية عالميًا
أكدت هذه العملية أن الهجمات الإلكترونية لم تعد تهديدًا فرديًا فقط، بل أصبحت أداة جيوسياسية تُستخدم لتحقيق أهداف اقتصادية وعسكرية على نطاق دولي.
لماذا تعتمد كوريا الشمالية على الجرائم الإلكترونية؟
تعاني كوريا الشمالية من عقوبات اقتصادية قاسية أدت إلى نقص حاد في العملات الأجنبية، مما دفعها إلى استخدام الهجمات الإلكترونية كأداة رئيسية لتمويل اقتصادها.
وفقًا لتقارير استخباراتية، يُقال إن كوريا الشمالية حصلت على أكثر من 3 مليارات دولار عبر عمليات القرصنة منذ عام 2016، مما جعلها واحدة من أكبر الجهات الفاعلة في الجريمة الإلكترونية عالميًا.
كيف تحمي نفسك من الهجمات الإلكترونية؟
لم تعد الهجمات الإلكترونية مقتصرة على البنوك والمؤسسات المالية، بل يمكن أن تستهدف الأفراد والشركات أيضًا. إليك بعض النصائح لحماية بياناتك وأموالك من الاختراقات السيبرانية:
1. استخدام تقنيات الحماية المتقدمة
✔ تثبيت برامج مكافحة الفيروسات المتطورة والاعتماد على حلول الأمن السيبراني الحديثة.
✔ تفعيل جدران الحماية (Firewalls) لمنع الهجمات المحتملة.
2. تحديث الأنظمة بانتظام
✔ التأكد من تحديث جميع البرامج والتطبيقات المصرفية لتجنب الثغرات الأمنية.
✔ استخدام أنظمة تحقق متعددة العوامل (MFA) لتعزيز الأمان.
3. توعية الموظفين والمستخدمين
✔ تدريب الموظفين على كيفية اكتشاف محاولات التصيد الاحتيالي (Phishing) والهجمات الإلكترونية.
✔ الحذر من الروابط المشبوهة والمرفقات غير المعروفة في رسائل البريد الإلكتروني.
خاتمة
تُعد سرقة بنك بنغلاديش المركزي واحدة من أكثر الهجمات الإلكترونية جرأة وتأثيرًا في التاريخ. فقد كشفت عن نقاط ضعف خطيرة في الأنظمة المصرفية العالمية، وأثبتت أن القرصنة الإلكترونية أصبحت سلاحًا اقتصاديًا بيد الدول المعزولة اقتصاديًا مثل كوريا الشمالية.
مع تزايد وتيرة الهجمات السيبرانية عالميًا، أصبح من الضروري تبني استراتيجيات أمن رقمي قوية لحماية الأنظمة المالية والمعلومات الحساسة من المخاطر المستقبلية.
مصادر
1. تقرير FBI حول الهجمات السيبرانية لكوريا الشمالية.
2. تحليل من SWIFT حول أمان المعاملات المصرفية بعد الهجوم.
3. تقارير من CNN وBBC حول عملية الاختراق وعواقبها.
✔ مجموعة لازاروس
✔ سرقة بنك بنغلاديش
✔ هجمات كوريا الشمالية الإلكترونية
✔ نظام SWIFT والتحويلات المالية
✔ الأمن السيبراني في البنوك
✔ جرائم الإنترنت وغسل الأموال